كلمة المحرر

 

رحم الله خادم الحرمين الشريفين: الملك عبد الله

 

 

 

 

        في الساعة الواحدة من الليلة المتخللة بين الخميس والجمعة: 2-3/ربيع الآخر 1436هـ الموافق 22-23/يناير 2015م توفي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله رحمة واسعة في 91 من عمره، بعد وعكة صحيّة ألمت به، أدخل إثرها المستشفى بالرياض منذ أيّام.

     وقد صُلِّي عليه عَقِب صلاة العصر من يوم الجمعة 3/4/1436هـ = 23/يناير 2015م في جامع الإمام تركي بن عبد الله، و وُرِّي جثمانه في مقبرة العود بالرياض.

     وقد تلقى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها عمومًا وفي الهند خصوصًا نعي وفاته رحمه الله بحزن عميق وأسف بالغ نظرًا إلى خدماته الجليلة التي قدّمها للإسلام والمسلمين على جميع الأصعدة، فقد كان ملكاً ثاقب النظر بصيرًا بالأمور، يصدر فيها عن الحكمة والتدبّر والتبصّر، وكان يتمتع بوعي سياسي بالغ، كما كان متحررًا من الجمود والعصبيّة، متصفًا بالتزام خلقي، وصفات إنسانية سامية، يميل إلى البساطة في العيش، ويحب الثقافة العربية، ويحرص على الخروج إلى الصحراء كلما وجد متسعًا من الوقت. وهذه الخصائص هي التي أَهَّلَتْه لما أدّاه من الدور الكبير في الساحة الداخليّة والخارجيّة والعالمية والعربية والإسلاميّة.

     لقد شهدت المملكة في عهده تقدمًا وازدهارًا أكثر مما سبق في جميع المجالات والنواحي الاقتصادية والاجتماعية، والتعليمية والتربوية، والتكنولوجية والعلمية، والخيرية والإنسانية، ومجالات الصحة والنقل والمواصلات، والصناعة والزراعة وما إلى ذلك.

     وقد عُنِيَ بناحية التعليم وتحديث وسائله بصفة خاصّة؛ فقد أسّس أكثر من عشرين جامعة جديدة إلى جانب تطوير جامعات موجودة من ذي قبل في كل من المدينة المنورة وتبوك وحائل وجيزان والطائف والقصيم والجوف والباحة وعرعر ونجران، كما أسس جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، وهي تُعْتَبَرُ أول جامعة في السعودية متكاملة خاصّة بالبنات، كما أسس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وحضر حفل افتتاحها عدد من رؤساء الدول و وزرائها. وفيما يتعلق بالاهتمام بالطب والصحة قام بإنشاء خمس مدن طبية في جميع قطاعات الدولة. وفيما يتعلق بالصناعة أصدر الأمر بإنشاء مدينة «وعد الشمال» الصناعيّة للاستثمارات التعدينية في عرعر كما بذل عنايته لاحتضان وتطوير الطاقة الذريّة والمتجددة، فأصدر مرسوماً لإنشاء مدينة للطاقة الذرية والمتجددة. وذلك لتوفير مصادر بديلة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاّة، وسمّاها «مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية». وأعلن عن مشروعات اقتصادية ضخمة، منها مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، ومدينة الأمير عبد العزيز بن مساعد، ومدينة المعرفة، ومدينة جازان الاقتصادية، ومركز الملك عبد الله المالي.

     وقدّم نحو الحرمين الشريفين خدمات لا مثيل لها، وأمر بتوفير جميع التسهيلات والخدمات والوسائل المتاحة لضيوف الرحمن، ووضع حجر أساس أكبر توسعة في تاريخ المسجد الحرام من حيث الحجم والتكلفة. وذلك بتكلفة تبلغ 80 (ثمانين) مليار. كما وضع حجر أساس لأكبر توسعة شهدها الحرم النبوي الشريف على مرّ تاريخه، كما قام بإنشاء مشاريع لتسهيل الحج، مثل جسر الجمرات الجديد، وقطار الحرمين السريع للربط بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، وقطار المشاعر المقدسة للربط بين مكة ومنى وجبل عرفة ومزدلفة.

     وإلى ذلك اهتم بالقضايا العربيّة والإسلاميّة، وعلى رأسها قضية فلسطين، والاهتمام بأمر الفلسطينيين عن طريق المساعدات الماديّة والمعنوية المستمرة، وأصدر الأوامر بنقل المصابين من قطاع غزة إلى المستشفيات السعودية والتكفل بعلاجهم جراء إصابتهم من الاعتداء الإسرائيلي على القطاع، وبإقامة جسر جوّي لطائرات الإغاثة إلى مطار العريش بمصر تحمل أدوية وموادّ غذائية وجميع مستلزمات معيشية، كما أمر بحملة شعبيّة لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في جميع أنحاء المملكة، وبدأت الحملة بتبرع من لدنه قدره 30 مليون ريال. كما كان قد أعلن رحمه الله في مؤتمر القمة العربية الاقتصادية المنعقدة في الكويت في 19/يناير 2009م أن مبادرة السلام العربية لن تبقى على الطاولة أكثر مما بقيت؛ لأن إسرائيل تماطل فيها ولا تريد تنفيذها، وأنه أمام إسرائيل خياران إما الحرب أو السلام، وأن العرب قادرون على الصمود والحرب لاستعادة الأرض والكرامة المسلوبة، كما أعلن عن تبرع شعب السعودية بـ1000 مليون دولار، لإعادة إعمار قطاع غزة وتعويض أهلها عن كل ما لحقهم من دمار وتشريد، وأكد أن الدم الفلسطيني أغلى من كنوز الأرض.

     إننا لسنا هنا بسبيل إحصاء ما أنجزه الملك عبد الله - رحمه الله - من أعمال جليلة ومآثر عملاقة، وإنما ذكرنا ما ذكرنا على سبيل المثال.

     وما نريد أن نوجزه هو أن الملك عبد الله رحمه الله سيظلّ حيًّا خالدًا في القلوب وعلى الألسنة بشخصيته الفولاذية القوية، وعقليته المتفتحة، وتبصره السياسي، وثقوبه الفكري، وركضه الدؤوب على الساحة العربية والعالمية، وتحركه الفاعل المؤثر في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين، وخدمة الحرمين، وخدمة الوطن السعودي، وتطويره وإنهاضه على جميع المستويات.

     رحمه الله، وجعل جنة الفردوس مثواه، وألهم أهله وذويه ومحبيه وأعضاء أسرته وجميع أفراد الأسرة المالكة الصبر والسلوان.             [التحرير]

 

(تحريراً في الساعة 11 من الليلة المتخللة بين الأربعاء والخميس: 21/4/1436هـ = 11/2/2015م )

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم  ديوبند ، جمادى الأخرى 1436 هـ = مارس – أبريل 2015م ، العدد : 6 ، السنة : 39